كيفية حفظ الأرقام الكبيرة بسرعة وإلى الأبد
واحد من زملائي في العمل يتمتع بموهبة حفظ الأرقام. سبحان الله، تجده في أي اجتماع إذا طُلِب منه رقماً ما من الأرقام: كرقم تليفون مثلاً، أو رقم موظف، أو رقم إيصال، فكان في الحال يُحدق في الأفق ثم ما هي إلا ثوان معدودة حتى يخبرنا بهذا الرقم، فكنا نحييه مشدوهين وكان هو يقابل إعجابنا بابتسامة متواضعة وكأنه لم يفعل شيء.
هناك بالفعل أشخاص دربوا أنفسهم من الصغر على مهارة حفظ الأرقام، وغيرهم الكثير تنقصه هذه المهارة، ومحدثكم من الفئة الثانية؛ تنقصني مهارة حفظ الأرقام، لا تنقصني فحسب، بل تجدني أجفل من مجرد محاولة التفكير في حفظ أي رقم، لماذا حفظ الأرقام وهناك هواتف نقالة وأوراق ووسائل مساعدة أخرى كثيرة؟ يكفي رأسي ما به من زحام!
فوائد اكتساب مهارة حفظ الأرقام
لكن الحق أقول، هناك مواقف كثيرة كُنت أحتاج فيها لهذه الملكة، من بين هذه المواقف مثلاً:
- كثيراً ما كانت بطارية هاتفي تنفذ خارج البيت، وكنت أريد الاتصال بأرقام ضرورية من أي تليفون عمومي لكنني كنت أتوقف لأنني لا أحفظ هذه الأرقام.
- كثيراً وأنا أقوم بتعبئة استمارة من الاستمارات كنت بحاجة إلى ملئ رقم بطاقة الهوية الوطنية التي نسيتها في المنزل، فأضطر إلى العودة إلى المنزل والرجوع إلى المصلحة في اليوم التالي.
- في كثير من المواقف كان يطلب مني في العمل رقم من الأرقام، فكنت أفتح ملف مخصص في جهاز الكمبيوتر لكي أتذكر هذا الرقم في حين أنني لو زودت سائلي بهذا الرقم في الحال لكنت وفرت عليه وعلي نفسي الوقت ولكان ذلك مدعاة لإعجابه وتقديره.
البحث في جوجل عن حل
قررت أن أبحث عن طريقة لحفظ الأرقام تكون سهلة وممتعة وناجعة في نفس الوقت، بحثت في جوجل عن حل لهذه المعضلة، وفاجئني الكم الهائل من المقالات التي تتحدث عن طرق حفظ الأرقام، فتصفحت هذه النتائج لكن للأسف لم أجد الطريقة التي تقنعني.
وذلك لأن جل الطرق المذكورة تحتاج إلى حفظ يفوق في صعوبته حفظ الأرقام، وذلك إما أنهم يُحولون الأرقام إلى أصوات، أو إلى صور تشبه شكل الرقم، فمثلاً رقم 2 يرمزون له بصورة (وزة) لأنه يشبه في رسمه شكل الوزة ولا أعرف بالضبط ما وجه الشبه، وبعد أن يرمزون بصورة لكل رقم، يقومون بتأليف قصة خيالية تحتوي على صور الأرقام المراد حفظها مثلاً هذه القصة التي قرأتها على أحد المواقع:
لحظ مثلاً الرقم 941607325 نتخيل هذه القصة: في رحلتي السياحية ركبت “منطاد 9” لكن بسبب الرياح سقط بقرب احد “القوارب4” القديمة ونحن في وضع سيء شفت من بعيد “شجرة1” ونايم تحتها “فيل 6” كبير لونه ازرق يلعب “بالكرة 0” بعد ماشافنا تلخبطت وضعه وركلها بعيد وطاحت تحت “جرف7″ طويل , انا بديت اخاف و”قلبي 3” طلع 3 متر قدام من الخوف لحقنا .. وهربنا ومن السرعة والخوف شفت “وزة 2″ تصيد بالــ”سنارة 5”. يمكنك قراءة كامل هذه الطريقة من هنا.
بالطبع أشكر كاتب الموضوع على مجهوده ونيته الطيبة في نشر الفائدة، لكن ذلك لا يمنعني من التصريح بأن هذه الطريقة صعبة ولن تفيد وذلك لأننا حتماً سننسى تفاصيل هذه القصة حينما تتكاثر في ذاكرتنا القصص والأرقام. أيضاً المقالات المكتوبة في المواقع الأجنبية والتي تتحدث عن نفس الموضوع لا تختلف عن هذه الطريقة، بل قد تكون أصعب وغير مباشرة بالمرة. لكن بالرغم من عيوب هذه الطرق التي قرأتها، إلا أنني مدين لها بالفضل في صياغة طريقتي الخاصة والتي أتمنى أن تنال إعجابكم جميعاً.
ما هي طريقة حفظ الأرقام؟
تنقسم هذه الطريقة إلى مرحلتين:
- المرحلة الأولى: هي إعطاء كل رقم صورة، هذه الصورة لا تشبه شكل الحرف ولكنها تعبر عنه (سنشرح هذه النقطة بعد قليل)
- المرحلة الثانية: هي تطبيق نظرية (قصر الذاكرة The method of loci): وقد تحدثت عن هذه النظرية بالتفصيل في مقال من مقالاتي وأرجو أن تطلع عليه بالتفصيل بعد أن تنتهي من قراءة هذا المقال (تجده هنا).
المرحلة الأولى: تخصيص صورة رمزية لكل رقم طبقاً لمشاعرك الشخصية تجاه الأرقام
سنرمز إلى كل رقم من الأرقام بصورة تعبر عنه، لا يهم شكل الرقم أكان بالإنجليزية أو بالعربية، كل شخص فينا عليه منح كل رقم صورة طبقاً لشخصيته هو، هذا الأمر يتوقف على ثقافة وذكريات ومشاعر كل شخص فينا تجاه الأرقام، لكن لتسهيل الأمر، سأستخدم هنا في هذا المقال الصور الرمزية للأرقام من وجهة نظري وطبقاً لمشاعري الشخصية تجاه الأرقام، ولا أطلب منك التقيد بها، فكما أخبرتك عليك أن تخلق الصورة الرمزية لكل رقم طبقاً لرؤيتك أنت ومشاعرك أنت وأفكارك أنت.
الرقم صفر (0):
من وجهة نظري رقم 0 أقرب شيء له هو “الصحراء” لأنها مكان خالي من أي كائن حي، فهي جرداء لا زرع فيها ولا ماء، وكون الصحراء كبيرة ولا يمكنني وضعها داخل (قصر الذاكرة) الذي سوف نستخدمه فيما بعد في المرحلة الثانية، لذا سوف أخذ منها “الرمال” لأنه العنصر السائد فيها.
إذاً، رقم 0 سأرمز له ب”الرمال”
الرقم 1:
الله هو الواحد الذي لا شريك له، لذا سوف أرمز لهذا الرقم ببرواز أو إطار مكتوب عليه لفظ الجلالة “الله”
الرقم 2:
سأرمز إلى هذا الرقم بصورة “الحذاء” وذلك لأن الحذاء يتكون من زوجين، وأتخيل تحديداً لون أفضل حذاء لدي الآن وهو الحذاء ذي اللون الجملي “هافان”. هذه هي رؤيتي ومشاعري تجاه هذا الرقم، يمكنك تخيل أي صورة مختلفة، مثلاً واحد من أصدقائي أخبرني أنه اختار صورة (الحمامة) للتعبير عن هذا الرقم، وحينما سألته ولماذا الحمامة بالذات، أخبرني بأنه تأثر بالآية “ثاني اثنين إذ هما في الغار” وأنه يقدر دور الحمامة التي كانت تقبع خارج الغار أثناء هجرة الرسول. ألم أقل لك عزيزي القارئ أن الأمر مشاعر وثقافات؟
الرقم 3:
أهرامات الجيزة الثلاثة هي أشهر الأهرامات حول العالم، وكون الهرم كبير الحجم ولا يمكن وضعه داخل قصر الذاكرة، لذا سوف أستعيض عنه بتابوت للملك توت عنخ آمون لأنه يعبر عن الفراعنة والفراعنة هم من بنوا الهرم. إذاً الرقم 3 سأشير له بتابوت أو تمثال توت عنخ آمون. أكرر هذه الصور تنبع من رؤيتي الشخصية ومشاعري تجاه الأرقام، وهذا ما ينبغي عليك فعله حينما تختار الصور الرمزية لكل رقم.
الرقم 4:
سأرمز لهذا الرقم بصورة (السيارة) وذلك لأن السيارة تتكون من أربعة عجلات (دواليب).
الرقم 5:
سأرمز لهذا الرقم بصورة “ساعة الحائط” لأن ساعة الحائط في غرفة مكتبي إطارها مدور كرسم رقم خمسة بالعربي.
الرقم 6:
سن الالتحاق بالمدرسة يبدأ من سن 6 سنوات، لذلك سأرمز لهذا الرقم بصورة “السبورة” لأن المدرسة مبني كبير ولا يمكنني وضعه داخل “قصر الذاكرة” مثله مثل “الصحراء” في الرقم 0، من أجل ذلك سأقتبس من المدرسة أشهر شيء فيها وهي “السبورة”.
الرقم 7:
(وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف)، إذاً سأرمز لهذا الرقم بصورة (البقرة).
الرقم 8:
سأرمز لهذا الرقم بصورة “العنكبوت” لأن عدد أرجل العنكبوت على حد علمي ثمانية أرجل، لكن صورة العنكبوت في ذهني أنه عنكبوت ضخم ومخيف، ربما لتأثري بالأفلام الأمريكية.
الرقم 9:
سأرمز لهذا الرقم بصورة “المسدس عيار 9مم” لأنه يذكرني بالمسدس اللعبة الخاص بولدي (يوسف) والذي يتم تلقيمه (ببليات)، عفواً يا يوسف أقصد طلقات!
هنا نكون قد انتهينا من المرحلة الأولى وهي وضع صور كرمز لكل رقم من الأرقام، وأصبح لدينا الصور التالية: الرمال 0، برواز مذهب مكتوب فيه لفظ الجلالة 1، الحذاء 2، مجسم الهرم 3، سيارة 4، ساعة حائط 5، سبورة 6، بقرة 7، عنكبوت 8، مسدس9. يتبقى أن نختار صورة إضافية من عندنا لا تعبر عن أي شيء وليكن مثلاً برواز بداخله صورة (زهرة)، لماذا؟ ستعرف السبب بعد قليل. والآن نأتي للمرحلة الثانية:
المرحلة الثانية: بناء قصور الذاكرة.
ليس شرطاً أن تبني قصراً للذاكرة، كلمة “قصر” هنا كلمة مجازية، يمكنك بناء بيت أو أي مبنى آخر ليقف بمثابة قصراً في ذاكرتك، المهم أن:
- أي مبنى تختاره ليكون قصر من قصور الذاكرة يجب أن يكون معلوماً لك بكل تفاصيله، يجب أن تعرف عدد غرفه وترتيبها من أول دخولك من الباب الرئيسي وحتى نهاية البيت، يجب أن يكون مبنى حقيقي دخلته بالفعل في أرض الواقع وعشت فيه لفترة، ليس شرطاً أن يكون بيتاً، ممكن أن يكون قصر الذاكرة المدرسة التي درست بها أو الجامعة أو مقر عملك السابق أو الحالي أو بيت أحد من أصدقائك أو أقاربك أو حتى خزينة (دولاب) ملابس تعلم عدد أدراجها جيداً.
- خصص قصراً فريداً لكل معلومة أو رقم تود حفظه، مثلاً استخدمت مبنى المدرسة التي درست فيها في المرحلة الابتدائية لكي تحفظ رقم بطاقة الهوية الوطنية الخاصة بك، إذاً لا تستخدم نفس المبنى لحفظ رقم آخر، خصص قصراً فريداً لكل معلومة تود حفظها.
تطبيق عملي:
على فرض مثلاً أن رقم هويتك أو جواز سفرك أو هاتفك هو هذا الرقم (981607325) وأنك تود حفظه، فاتبع التالي:
- اختر مبنى تعرفه جيداً من الداخل ليكون قصراً لذاكرتك، تخيل الآن البيت بالفعل ولا تنتقل إلى النقطة الثانية إلا بعد أن تتخيل أنك بالفعل تدخل إلى هذا البيت.
- الرقم كبير نوعاً ما، لذا عليك أن تختار مبنى كثير الغرف، غرفه تساوي أو تزيد عن الرقم أعلاه، يمكن استخدام الطابق الثاني من البيت إن كان عدد الطابق الأول من البيت الذي اخترته لا تفي بالغرض.
- الآن وأنت تدخل إلى البيت، أول شيء سيقابلك بعد دخولك من البوابة هو الصالة، ضع على أحد جدران الصالة مسدس كبير أو بندقية لتعبر عن الرقم 9 وهو أول عنصر من عناصر الرقم السابق، تخيل الآن البندقية وهي معلقة على الحائط.
- في الغرفة التالية للصالة مباشرة (يجب أن تدخل الغرف بالترتيب) ضع بها على الحائط عنكبوت كبير ومخيف وهو يرمز للرقم 8 ثاني عنصر من الرقم السابق. تخيل الآن
- ضع في الغرفة التي تلي الغرفة السابقة مباشرة على الحائط برواز مذهب به لفظ الجلالة، اسفل هذا البرواز في نفس الغرفة يمكنك وضع سبورة على الحائط، هكذا نكون ضمنا الرقم 1 والرقم 6 في غرفة واحدة، أو يمكنك تخصيص الغرفة التالية للسبورة، لكن من الأفضل أن تجمع بعض الرموز مع بعضها البعض في غرفة واحدة إذا كان اجتماعها لا يسبب تشويشاً على ذاكرتك.
- أستمر في وضع العناصر السابقة في باقي غرف البيت إلى أن تنتهي من الرقم. (الرجاء تخيل ولا تكتفي بقراءة هذه السطور، جرب الآن الطريقة لحفظ رقم هاتف أخيك مثلاً أو أحد من أصدقائك).
ماذا لو تصادف مثلاً على حسب ترتيب الغرف داخل المبنى الذي اخترته أن البقرة (التي تعبر عن الرقم 7) تصادف وجودها في غرفة النوم؟
ليس شرطاً أن تكون منطقياً في وضع الأشياء داخل الغرف، فربما تضع بقرة في الطابق الثاني من البيت أو حتى في غرفة النوم، أو أن تضع سيارة في الحمام، هذا الأمر لا ضير منه وذلك لأن عقلك الباطن سيتقبل هذه الصور المرحة، لما لا وهو يفعل أكثر من ذلك في الأحلام؟
ماذا لو تكرر رقم بعينة مرتين أو ثلاثة مرات بصورة متتالية؟
مثلاً العنصر 2 في الرقم التالي: (312229876)، قد تكرر ثلاثة مرات، ليس هناك مشكلة، سأضع حذاء فوق التليفزيون الموجود بالغرفة وحذاء آخر أسفل الكرس الموجود بنفس الغرفة والحذاء الثالث معلق بحبل يتدل من السقف، ليس هناك أي معضلة، عقلك الباطن قادر على التخيل إلى أبعد حد، فقط جرب وهو لن يخزلك أبداً.
ماذا لو تصادف وجود البرواز المكتوب عليه لفظ الجلالة داخل الحمام على حسب ترتيب الغرفة داخل قصر الذاكرة؟
هنا بالطبع لا يمكنك وضع هذا البرواز في الحمام حتى في خيالك، لأن عقلك ونفسك لن تتقبل هذا الأمر، من أجل ذلك أخبرتك في أن تجعل هناك برواز إضافي مرسوم داخله صورة لزهرة واحدة، يمكنك استخدامها في هذه الحالة.
هل هذه الطريقة تستغرق وقتاً طويلاً؟
بالعكس، تقريباً ستحتاج إلى ثلاثة دقائق على الأكثر لكي تحفظ رقم مكون من 12 عنصر، وأعدك بأنك لن تنساه أبداً حتى لو لم تراجعه لفترة طويلة.
أرجو أن تكون هذه الطريقة قد سهلت عليك مهمة حفظ الأرقام الكبيرة، وتذكر أنك لن تشعر بفائدة هذه الطريقة إلا عند تطبيقها بالفعل، لذا أرجو أن تقوم بتنفيذها الآن، لا تحفظ أي رقم والسلام، أحفظ فقط الأرقام المهمة لك والتي تشعر بأنك ستحتاجها في يوم من الأيام.
يمكنك أيضاً الاطلاع على هذه المقالات المهمة ذات العلاقة:
· كيف تحفظ الكلمات الإنجليزية ولا تنساها بسهولة؟
· احفظ 100 كلمة إنجليزية في ساعة وكأنك في نزهة
· كيف تنطق الكلمات الانجليزية الجديدة بشكل صحيح؟ طريقة ممتعة بدون الاعتماد على القواميس الناطقة
شكرا جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الرائع
السلام عليكم. طريقة جميلة بس لو فيه عشر ارقام تليفونات لعشر اشخاص ازاي افرق بينهم. وعايز اطبقها في حفظ تواريخ الاحداث مثلا الحرب العالمية 1939 ازاي امثلها بدون لغبطة مع ارقام اخرى.. شكرا لحضرتك
الكلمة المفتاحية في هدا المقال هي “الربط الدهني”
رائع دكتور حسن
مجهود رائع بالفعل يعتبر من المدونات والمواقع الاكثر افاده ناهيك عن صدق المعلومه حبذا لو كل ما بحثنا في جوجل نجد مثل هذه المدونه ومثل هذا الموقع بدل من الموقع التي تستخف بعقول البشر
مهما اختلفت الطرق وتنوعت، في النهاية تعتمد على تقنية واحدة وهي “الربط الذهني”.
خالص تحياتي
فعلا
استاذي الغالي شكرا جزيلا علي الموضوعك و لكن هناك إضافه أود أن تذكرها في مقالتك
كما قال الإمام الشافعي رحمه الله و اسكنه فسيح جناته
” شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي ..إلخ ”
لو لاحظت 95% أو أكثر من طلبة كليات أصول الدين ينسون القرآن الكريم رغم دراستهم له .. فإذا دخلت المعاصي من الشباك خرج العلم من الباب .