هل بمجرد التفكير الإيجابي يمكنك الحصول على أحدث جهاز أيفون؟
لا يكاد يمر يومٌ إلا وتسمع فيه من أي شخص مُقرب عبارات مثل “يا أخي كُن إيجابياً” أو “فكر بإيجابية” أو “تَفاءل ولا تَتشاءم”
معظمنا يؤمن أن التفكير الايجابي أفضل من التفكير السلبي، لكن بالرغم من إيماننا هذا هناك سؤال ما فتئ يؤرقنا:
هل التفكير الإيجابي له تأثير مادي حقيقي على حياتنا أم هو مجرد مخدر ننتشي به حتى نقاوم مصاعب الحياة وننسى به غدرات الزمن؟
هل بمجرد التفكير الإيجابي يمكنني أن أحصل مثلاً على أحدث جهاز أيفون حتى وإن كانت جيوبي خاوية، أم هو فقط يصبرني على عجزي وقلة حيلتي وهواني في الحياة.
أثبتت الأبحاث العلمية أن التفكير الايجابي ليس مخدراً أو مجرد وسيلة للسعادة أو التفاؤل بل هو قادر على صُنع تغيير حقيقي في حياة الانسان ويساعده على تحسين مهاراته.
فقد عكف الكثير من العلماء على دراسة التأثير المادي للتفكير الايجابي على عمل الانسان وصحته وانتاجيته، واحد من هؤلاء العلماء هي دكتور (باربرا فريدريكسون) المتخصصة في علم النفس الإيجابي.
قامت (فريدريكسون) بنشر ورقة علمية تتحدث عن التفكير الايجابي وتأثيره على مهارات الانسان، وفيما يلي ملخصاً لما توصلت إليه:
ماذا تفعل الأفكار السلبية بعقلك؟
تخيل أنك تسير بمفردك في غابة وفجأة ظهر أمامك نمر، الذي يحدث فوراً أن عقلك سيقوم بتسجيل مشاعر سلبية مثل مشاعر الخوف، هذه المشاعر السلبية تجعلك تنسى كل ما حولك ولا تركز الا في النمر الذي أمامك، بعد ذلك تتحول تلك المشاعر الى سلوك وهو الجري على سبيل المثال، فالذي حدث هنا أن المشاعر السلبية سيطرت على تفكيرك وجعلت كل تفكيرك مركز على كيفية الهروب من النمر.
فالمشاعر السلبية تقوم بتضييق حدود العقل وحصر الأفكار، ففي موقفك السابق لو لم تسيطر عليك الأفكار السلبية لكنت قد وجدت العديد من الخيارات الأخرى المتاحة أمامك للنجاة من النمر مثل: تسلق أقرب شجرة أو التقاط أقرب عصا موجودة على الأرض، لكن عقلك تجاهل تلك الخيارات لأنها تبدو ليست لها صلة بذلك النمر الواقف أمامك.
هذا طبعا مجرد مثال ومن الصعب أن نقابل نمراً في حياتنا اليومية لكن المشكلة تكمن أن عقل الانسان مبرمج للرد على أي مشاعر سلبية بنفس الطريقة ونفس الاسلوب وهو تحديد وتقليل عدد الخيارات المتاحة، فالأمر ليس فقط محصور في مواجهة نمر أو ما شابه.
فعلى سبيل المثال، عندما تتشاجر مع شخص ما، فان غضبك ومشاعرك السلبية قد تجعلك عاجز عن التفكير تماماً، أو مثلا شعورك بالهم تجاه مهام اليوم التي عليك تنفيذها، أو المشاعر السلبية التي تستشعرها نتيجة أنك لا تمارس الرياضة أو لا تأكل أكل صحي أو تفكيرك المستمر بأنك ضعيف الارادة أو كسول.
في كل حالة من تلك الحالات يقوم عقلك بالانفصال عن العالم الخارجي والتركيز على تلك المشاعر السلبية مثل الخوف أو الغضب أو الاجهاد، فالمشاعر والأفكار السلبية تمنع العقل من رؤية بقية الخيارات التي تحيط بك
والان سوف تكمل (فريدريكسون) بحثها وتقارن ذلك بما تفعله المشاعر والأفكار الايجابية بعقلك
ما الذي تفعله الأفكار الايجابية بعقلك؟
قامت فريدريكسون باختبار تأثير الأفكار الايجابية على عقل الانسان من خلال تجربة صغيرة. في تلك التجربة قامت بإحضار خمس مجموعات من الأفراد وعرضت على الخمس مجموعات لقطات فيديو مختلفة.
فالمجموعة الأولى شاهدت فيديوهات تحمل مشاعر فرح ايجابية والمجموعة الثانية شاهدت فيديوهات تحمل مشاعر رضا ايجابية والمجموعة الثالثة شاهدت فيديوهات عادية لا تحمل مشاعر والمجموعة الرابعة شاهدت فيديوهات تحمل مشاعر خوف سلبية والمجموعة الخامسة شاهدت فيديوهات تحمل مشاعر غضب سلبية.
بعد ذلك طلبت من كل مشترك أن يتخيل نفسه في موقف معين حاملاً نفس المشاعر التي اكتسبها من الفيديو الذي شاهده وعليه أن يكتب ماذا سيفعل في هذا الموقف وأعطت كل منهم ورقة بيضاء.
المجموعات التي شاهدت فيديوهات اكسبتها مشاعر سلبية من خوف أو غضب كتبت أقل عدد ممكن من الحلول والأفعال، والمجموعات التي شاهدت فيديوهات اكسبتها مشاعر ايجابية من فرح أو رضا كتبت عدد أكبر من التصرفات والأفعال خاصة عند مقارنتها بالمجموعة التي كانت محايدة.
معنى ذلك أن عند مرورك بمشاعر وأفكار ايجابية مثل الفرح أو الرضا أو الحب فأنك ستجد العديد من الفرص والطرق في الحياة فكما ذكرنا أن التفكير الايجابي يقوم بتفتيح العقل على المزيد من الخيارات المتاحة ولا يقصر العقل في دائرة مغلقة، ليست تلك هي الميزة الوحيدة للتفكير الايجابي فالتفكير الايجابي له عدد مميزات أخرى.
كيف يقوم التفكير الايجابي بصقل مهاراتك
أكبر فائدة للمشاعر الايجابية تكمن في تعزيز وصقل مهاراتك الشخصية في الحياة، دعنا نأخذ مثال من أرض الواقع.
الطفل الذي يجري ويلعب مع أصدقائه، هذا الطفل يقوم بتطوير قدرته على الحركات الرياضية (مهارات بدنية) ويقوم بتطوير قدرته على التواصل مع أصدقائه (مهارات اجتماعية) ويقوم أيضاً بتطوير قدرته على استكشاف العالم من حوله (مهارات ابداعية)، لاحظ كيف أن المشاعر الايجابية التي تملكت الطفل ودفعته للعب مع أصدقائه قامت العديد من المهارات المفيدة التي سيستعين بها كثيراً في حياته اليومية.
هذه المهارات تبقى مع الانسان بينما تزول المشاعر الايجابية التي كانت سبب في ولادتها، فعمر المهارات الناتجة أطول من عمر المشاعر والأفكار. تكلمت (فريدريكسون) عن هذه العملية ووصفتها بنظرية (التوسيع والبناء) فالتفكير الايجابي يقوم بتوسيع افاقك واظهار كم هائل من البدائل امام عقلك ثم يقوم ببناء مهارات جديدة لم تكن تمتلكها.
وكما ذكرنا سابقاً أن المشاعر السلبية تفعل العكس تماماً لأن بناء وصقل مهارات للمستقبل بعيد كل البعد عن فكرة الخطر والتهديد الفوري (كما في مثال النمر الذي ذكرناه). والان نصل الى أهم سؤال وهو إذا كان التفكير الايجابي مفيد بهذا الشكل في تطوير مهاراتك وتوسيع رؤيتك للحياة اذن فكيف تصبح ايجابي التفكير؟
كيف تنمي التفكير الإيجابي في حياتك؟
لابد ان تعرف أن أي شيء يقوم بإثارة مشاعر الفرح والرضا والحب بداخلك فهو كفيل أن يقوم بتلك المهمة، وأنت تعرف جيداً ما هي الأشياء التي تثير بداخلك تلك المشاعر، قد تكون العطف على المحتاجين، أو قضاء وقت مع شخص تحبه، أو ربما نحت تماثيل خشبية صغيرة الى اخره من الأنشطة التي تدخل المشاعر الايجابية الى قلبك.
اليك تلك النقاط الثلاثة لتأخذهم في الاعتبار:
1 – التأمل
قامت (فريدريكسون) بعمل بحث عن التأمل وتوصلت الى أن الأشخاص الذين يمارسون عادة التامل يومياً يتمتعون بكم من المشاعر والأفكار الايجابية أكثر من الذين لا يمارسون تلك العادة الرائعة، وكما هو المتوقع أيضاً أن الأشخاص الذين يمارسون التأمل اليومي لديهم قدرة أكبر على تنمية وصقل مهاراتهم الحياتية، فبعد ثلاث شهور من التجربة وجدت ان الأشخاص الذين أجرت عليهم التجربة أصبحوا أكثر يقظة وأصبح لديهم غرض من الحياة أصبحوا أقل شكوى من الأعراض المرضية.
2 – الكتابة
أجريت دراسة على 90 طالب في المرحلة الجامعية، تم تقسيمهم على مجموعتين، المجموعة الاولى عليهم كتابة تجربة ايجابية يومياً لمدة ثلاث أيام متتالية والمجموعة الثانية عليهم كتابة تجربة عادية يومياً لمدة ثلاث أيام متتالية. بعد مرور ثلاثة أشهر، الطلاب الذي كانوا يكتبون تجارب ايجابية أصبحوا في حالة مزاجية أفضل وأصبحوا أقل زيارة للمراكز العلاجية وأقل شكوى من الأمراض (تخيل شعروا بصحة أفضل من مجرد الكتابة لمدة ثلاث أيام فقط عن أمور ايجابية!)
3 – الترويح عن النفس
خصص وقت للترويح عن النفس في يومك، نحن نخصص أوقات كثيرة للاجتماعات والمؤتمرات وغيرها من المسئوليات الكثيرة، فلماذا لا تخصص وقت للترفيه عن نفسك أيضاً؟ متى كانت اخر مرة خصصت وقت للاستمتاع والترفيه؟ هل من المنطقي أن سعادتك أقل اهمية من اجتماعات العمل؟ اعطي لنفسك الفرصة لكي تبتسم وتستمتع بالحياة الايجابية، خصص وقت للمغامرة واللعب لكي تتمكن من استشعار معنى السعادة والفرح وبالتالي تستطيع استكشاف وبناء مهارات جديدة لديك.
السعادة والنجاح: أيهما يأتي أولاً؟
لا شك أن السعادة تأتي نتيجة الانجاز. فمثلاً الفوز ببطولة أو الحصول على وظيفة أفضل أو مقابلة شخص تحبه – هذه الأمور تجلب مشاعر الفرح والسعادة الى حياة الانسان، لكن في الكثير من الأحيان نتصور أن السعادة دائماً تأتي عقب النجاح.
كم مرة فكرت بتلك الطريقة (بمجرد أن أحقق كذا … سأكون راضياً وسعيداً)؟
تثبت نظرية فريدريكسون (التوسيع والبناء) أن السعادة شيء مهم لتنمية المهارات الشخصية، والمهارات الشخصية شيء مهم لتحقيق النجاح، بمعنى أن السعادة هي سبب للنجاح ونتيجة له أيضاً. فقد لاحظ الكثير من الباحثين تلك الظاهرة عند الأشخاص السعداء وأطلقوا عليها ظاهرة (النمو المتصاعد) فالشخص السعيد يستطيع تنمية مهاراته وهذه المهارات تؤدي الى نجاح جديد وهذا النجاح الجديد يؤدي الى المزيد من السعادة وهكذا تتكرر العملية.
أين الطريق؟
التفكير الايجابي ليس مجرد كلمة جيدة وملهمة، فتلك اللحظات السعيدة التي تستشعرها في التفكير الايجابي تقوم بتفتيح عقلك وتوسيع رؤيتك وتساعدك في تكوين مهارات جديدة ذات نفع في حياتك. حاول ايجاد طرق للحصول على السعادة والمشاعر الايجابية في حياتك سواء كان ذلك من خلال التأمل أو الكتابة أو اللعب أو أي طريقة أخرى، فهذا قادر على تقليل حدة التوتر لديك مع رسم ابتسامة على وجهك. فترات قليلة من المشاعر الايجابية قد تؤدي الى نتائج ايجابية من استمتاع بالحياة وتنمية للمهارات، فقط بكل بساطة: ابحث عن الفرحة، خصص وقت للعب. ابحث عن مغامرة وسيقوم عقلك بعمل الباقي.
المصادر (1)
مقال رائع و اسمتعت بقراءته
لك خالص تحياتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
مقال مميز كالعادة ،
ربما يمر الإنسان في حياته بفترات يحتاج إلى من يأخذ بيده ويدعمه و يسلط الضوء على هذه الموهبة التي يمتلكها أو تللك المهارة التي يجيدها ، وبالرغم من القراءات السابقة في مجال التنمية البشرية كنت أعتقد أنه يكفي ما قرأت و ليكن هناك وقت لتنفيذ ما قرأت ولكن يتضح لي أنه لا مانع أبدا من قراءة أي مقال في مجال التنمية البشرية أو العلوم الإنسانية ، فأنا أعتقد أنها توفر علينا مزيد من عناء الوقوع في غياهب التردد والإحباط .
سأظل أشكر لك أستاذ حسن فضلك ،، فقد كانت مدونتك هذه سببا بفضل الله عز وجل في فتح آفاق جديدة أمام ناظري ، لم أكن ألتفت إليها من قبل، وقد من الله على بقراءة جميع كتبك و هنا أنصح الجميع باقتنائها فهي تستحق القراءة بالتأكيد.
و أبارك لك على القالب الجديد للمدونة ، فهو بسيط وأنيق.
كما أدعو من خلال مدونتك الرائعة متابعيك الكرام لزيارة مدونتي .
أشكرك أ. منى على كلماتك الطيبة وأنصح الجميع أيضاً بزيارتك مدونتك المفيدة
شكرا على هذه المقالات وعلى هذه الهدايا انا متابعينك
الشكر موصول لك حنين
انا امارس التأمل للخروج من الازمات
وبعد ان قرات المقال اكتشفت ان ممارستي للتأمل هي التي تجلب لي السعادة ومن ثم اجدني احقق كل أحلامي وأنجح
شكرا لك اخ حسن على المقال الجميل هذا
أتمنى لك مزيد من النجاح رنيا
حقاً مدونة رائعة .. ومقالة مفيدة جداً ، وأنت أخي الحبيب ، أجبت عن سؤالٍ أرّقني في الآونة الآخيرة ، فعندما قرأتُ كتابَ ( قوة التفكير ) ، للدكتور الراحل إبراهيم الفقي ، و كتاب ( العقل الباطن ) ، لجوزيف ميرفي ، انقلبت حياتي رأساً على عقب ، وفُتِحَت ليَ الأُفُقْ ، وهذا من فضل الله أولاً وأخيراً ، و من يومها وأنا أعيشُ حياتي كما أريد ، حيثُ أنّ كلّ العقبات التي مررتُ بها تجاوزتها بذكاءٍ وحنكة فقط لتفكيري الإيجابي ، والذي يجعلني أركز على حلّ المشاكل لا الخوض فيها ، ويجعلني مسلحاً بالعزيمةِ والإرادة التي أكون وقتها بأمسّ الحاجةِ لها ، و يدفعني لوضع خطواطٍ عملية وتنفيذها للوصول إلى الهدف ، فشكراً لك أخي الكريم ، وأرجو أن تستمر بقوة ، ومبروك القالب الجديد للمدونة . . فهو قمة ي الروعة.
لزيارة مدونتي بإمكانكم الضغط على اسمي ،،
شكراً أخي الكريم على الدعوة، مدونتك جميلة جداً وأدعو الجميع لزيارتها
تحياتي
من يتفائل بالخير يجده وأكثر سبحان الله
شكرا لكل ما تكتبه
صدقتِ يا سوسن
من يتفائل بالخير يجده وأكثر سبحان الله
شكرا لكل ما تكتبه
مقال اكثر من رائعه يا استاذي حسن محمد
واشكراك على كل ما تقدمه من مقالات رائعه في موقعك الرائع و هدايا في القائمه البريديه الرائعه
وطريق التفكير الايجابي اوالا شي من دخل الشخص الذي يريد ان يتغير
ومن ثم من حوله من عائله و الاجار و الاصدقاء و زملاء العمل
وكذه يصل الى مجتمع يحب تفائل بالخير وايجابي
بالفعل يا فهد .. التفكير الإيجابي له مفعول السحر وينبع أولاً من داخل الإنسان
كلام جميل و مفيد جدا
انا من متابعيك
أتشرف بذلك سعيد